*كلمة معالي وزير العمل الدكتور مصطفى بيرم خلال الجلسة الختامية لـ"مؤتمر العمل الإسلامي" الذي نظّمته "منظمة التعاون الإسلامي" *

عاجل

الفئة

shadow

في العاصمة الأذرية باكو
لأنّ الدول والشعوب تحترم الشهداء، فإنني أنتهزُ هذه الفرصة لأزف إليكم كوكبة من الشهداء اللبنانيين الذين قضوا هذه الليلة بعدوان "إسرائيلي" غاشم وبينهم ابن الحاج محمد رعد رئيس أهم كتلة نيابية برلمانية لبنانية واسمه "عباس" الذي قضى مع كوكبة من رفاقه الشهداء دفاعاً عن لبنان ومشاركة لأهلنا في فلسطين وفي غزّة العزّة. 
أيها الأحبّة، نحن في لبنان لم نعد ضعفاء، فمن يعتدي علينا نردُّ له الصاع صاعين، وهذا ما فعلناه مع العدو "الإسرائيلي" حين هزمناه عام 2000 وأخرجناه مذلولاً مدحوراً من أرضنا، وإنّ الأمة التي لا تشعر بالاقتدار تشعر بعقدة النقص.
نحن نجتمع اليوم تحت وطأة الألم الذي يعانيه أهلنا في غزة البطولة من قبل عدوان "إسرائيلي" غاشم. لأول مرة نجد عدواً يستهدفُ باعتداءاته مستشفى فيفتخر بتفجيرها، يفتخر بقتل تلاميذ مدرسة. نحن نعرف أنه في الحروب يسقط مدنيون، للأسف، لكنّ الحرب على غزة كلُّ شهدائها من المدنيين، خصوصاً من الأطفال والنساء. لقد استهدف العدو مستشفيات ومدارس وكنائس ومساجد في ظلّ صمت عالمي حاقد ومنظّمات دولية مُنافقة سقط خطابها الحقوقي.
 لماذا حصل ذلك؟ لأننا أعطيناهم إشارة الضعف والتفرقة والله يحذّرنا في كتابه العزيز: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، والرسول أيضاً يوصينا: "من سمع مُسلماً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمُسلم"، ومن أصبح اليوم لا يهتم لأمر المسلمين فليس بمسلم.
أيُعقل أنّ أمة المليار و800 مليون مسلم، يُذبح شعبٌ منها في غزة من دون أن يصدر منها شيء؟
نعم.. هي تجلس من دون أن نفعل شيئاً، تستحي بالعبارات وتوارب وتُداري في المصطلحات وكيفية استخدامها. ولكن لن نسكتَ بعد اليوم، وها هي الشعوب تخرج إلى الشوارع تُنادي وتُلقي علينا الحجة. أنا أدعوكم، من هنا، بالإنسانية وبالإسلام الذي يجمعُنا، ليس الإسلام المتقوقع بل الإسلام العزيز المُنبني على أمة الخير وأمة الاقتدار. نحن في زمن لا يُحترمُ فيه الضعفاء... راهننا طوال سنوات على المنظمات الدولية والقرارات الدولية التي طُبقت فقط علينا ولم تُطبق على أعدائنا. إذاً، لا بد أن نكون أقوياء كي يحترمنا الآخرون. نحن، الدول الإسلامية والعربية، لا ينقصنا أي شيء، لدينا كل الموارد البشرية والطبيعية وثروات الأرض تحت أقدامنا. لذلك أنا أطلق هذه الصرخة باسم كلّ طفل في غزة وباسم شهداء لبنان أيضاً، لبنان الذي يتعرض في هذه اللحظات لغارات جوية "إسرائيلية". ورغم أنّ المقاومة تردّ للعدو الصاع صاعين، في قلب مستوطناته، لكنّنا نؤكد أنّ الحلّ هو بعودة شُذّاذ الآفاق إلى الدول التي أتوا منها وتعود فلسطين إلى أهلها بكلّ تنوُّعاتهم وبكلّ أديانهم. فلسطين لأهلها، للأجداد الذين تحوّلت عظامهم إلى أشجار زيتون، ولن نسمح لشخص يأتي من دولة من هنا أو دولة من هناك ليطرد صاحب الأرض الحقيقي. إنها صرخة للإنسان، وأنا هنا لا أتكلم في السياسة بل في الإنسان. أنقل وجع الطفل والمرأة، أنقل ذلك المشهد الذي يُظهر إطباق الطيران على المستشفيات والمدارس ولا يوجد صوت لأي منظمة في العالم. يُحاسبوننا على أدنى الأشياء المرتبطة بحقوق الإنسان ونحن نحترم حقوق الإنسان ونريد حقوق الإنسان، ولكن ألا يحترمون حقوق الإنسان في شعب وأمة ومظلومين؟ ما هو السبب وما هو التبرير؟ هم يساوون بين الضحية والمُعتدي، وبين المحتل الغاصب وبين المُحتلةِ أرضُه. إنّ الحرب اليوم هي حربٌ سيميائية، أي أننا يجب أن نعود لننطلق من المصطلحات الدقيقة والصحيحة التي تقول هذا عدو وهذا مُقاوم، هذا أخٌ شقيق وهذا مُعتدٍ، وأنا أقف مع المظلوم. نحن لا نتكلم بقوقعة ولا نواجه ديناً من الأديان بل نواجه ظالمين ونقف مع المظلوم، مهما كان المظلوم، في وجه الظالم، مهما كان هذا الظالم، وصادف أنّ المظلومين الآن هم إخوتنا في غزة وفي لبنان. 
أيها الأحبة، أدعوكم، أولاً، إلى مبادرة أمّة الاقتدار والخير مصداقاً لقوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، الأمة المقتدرة التي يحترمها العالم ويهابها، إذ لا يُعقل أن نفوقَ المليار ونصف المليار ولا توجد لنا هيبة وليس لدينا أي احترام.
ثانياً، أدعوكم إلى وحدة الصف ورص الصفوف والاستفادة من الخبرات المُتبادلة، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشده بعضه بعضاً، هذه ثقافتنا وهذه أخلاقنا. 
أدعوكم إلى إنشاء الشبكة الرقمية للدول الإسلامية لتبادل الخبرات والتوظيف وإنشاء بنك إسلامي للقروض الميسرة خاصة للبلدان الواقعة تحت الاحتلال وتتعرض للاعتداءات كفلسطين ولبنان، والتي أيضاً تواجه التعثُّر، من أجل النهضة بالشباب والمشاريع الناشئة التي تلبي طموحات الشباب في عصرنا ودولنا. 
كما أدعو إلى تبنّي المقترح الفلسطيني في استخدام عبارات الإدانة الواضحة. لقد قرأتُ في مشروع القرار كلمة "حرب غزة"، وأنا أسأل: حربٌ بين من ومن؟ هي حربٌ على غزة وعلى شعبها. هل يوجد شعبٌ في العالم يعيش ضمن جدران؟ هل يوجد شعب لا يحق له أن يغادر المنطقة التي يسكن فيها؟ هذا غير معقول وهو إدانة للضمير الإنساني.
أعود وأقول لكم: نحن في لبنان رغم أننا نقاوم المحتل لكننا نقاوم باللحم الحي وندير إداراتنا عبر ثقة مع المواطنين الصالحين لنكرس نموذجاً جديداً يعطي للمواطن صفة المواطنية وللدولة الصفة المؤسساتية لننطلق نحو المعاملات الإلكترونية والتطور. لسنا نركز على التقنية، التقنية نُحصِّلها في وقت قريب وسريع ولدينا كلّ المواهب. ما يجب أن نركز عليه هو ما تنتظره شعوبنا منا ونظرتها إلينا. كيف ينظر إلينا المواطن في غزة وقد اجتمعت ستون دولة في أذربيجان العزيزة؟ وبالشه لذلك فإنّ كل أمة تحترم شهداءها هي أمة عزيزة.
 أختم لكم بهذه القصة التي حصلت منذ يومين في غزة. هناك طفلة استشهدت، وقبيل استشهادها التفتت إلى والدها وسالته: يا أبي إذا استُشهدتُ هل يصبح لديّ جناحان في الجنة؟ التفت إليها والدها والدموع تُغرق عينيه مجيباً: نعم يا ابنتي سيكون لك جناحان. عادت وسألته: عندما نُقتل أو عندما نُكفّن ويُصلّى علينا؟ أجابها: عندما يُصلّى عليك يا ابنتي. التفتت إليه وسألت مجدداً: لكن قبل أن أصعد إلى الجنة هل أستطيع أن أحلق فوق غزة؟ قالت ذلك لأنها محاصرة منذ الطفولة، فغزة محاصرة منذ عشرات السنين ولا من يأبه. عادت وسألته: يا والدي هل سأصعد إلى الجنة؟ قال: ستصعدين إن شاء الله. فقالت: لي طلب أخير؛  أريد أن أحلق فوق الأقصى السليب والقدس الشريف بكنائسها ومساجدها لاستشعر معنى الحرية قبل أن أصعد إلى الجنة.
 
باكو ـ أذربيجان
في 23/11/2023

الناشر

علي نعمة
علي نعمة

shadow

أخبار ذات صلة